12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة العقيدة >> الدرس الحادي عشر: ضرورة النبوة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

الدرس الحادي عشر: ضرورة النبوة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح ضرورة وجود الأنبياء لتكامل البشر وتنظيم حياتهم الاجتماعيّة والفرديّة.
2- يبيّن الشروط الثلاثة التي ينبغي توفرها في واضع النظام.
3- يستنتج أن الله عزَّ وجلَّ وحده جامعٌ لشرائط وضع النظام.

 

تمهيد
اقتضت حكمة الله وعدله أنْ يُخلق الإنسان لهدف محدّد، وهذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلّا من خلال معرفة طريقه ـ كما هو الحال مع كلّ هدف ـ ، فلو كان الإنسان قادرًا على معرفة الطريق بنفسه من خلال الإمكانات الذاتيّة التي منحه الله إيّاها فلا تُعتبر النبوّة عندئذ ضروريّة، بخلاف ما لو كان الإنسان غير قادر على ذلك فلا بدّ (بمقتضى الحكمة الإلهيّة) من وجود وسيلة تدلّه وترشده إلى الطريق الموصل إلى الهدف، وليست هذه الوسيلة إلّا النبوّة.

فهل يمكن للإنسان أنْ يكتشف طريق الكمال بنفسه؟
والجواب: إنّ للحياة الإنسانيّة بُعدين أساسين:
1ـ البعد الدنيويّ الاجتماعيّ.
2ـ البعد الأخرويّ الفرديّ.

والإنسان يحتاج إلى تنظيم هذين البعدين لكي يصل إلى سعادة الدنيا والآخرة، ولا بدّ لمن يضع القانون والنظام من أنْ تتوفّر فيه الشروط التالية:
أـ معرفة الإنسان أيّ معرفة المقنّن له.
ب ـ معرفة أصول السعادة.
ج ـ النزاهة عن الهوى والخوف.

وإذا انتفى واحد من الشروط الثلاثة المذكورة، انتفت إمكانيّة التقنين والتنظيم للإنسان من قبل المقنّن. فهل تجتمع هذه الشروط في موجود ما؟ ومن هو؟.

 

بيان الشرطين: الأوّل والثاني
لقد ثبت حتّى الآن أنّ العلم لم يستطع إلى اليوم أنْ يعرف الإنسان حقيقة المعرفة وبكلّ أبعاده البدنيّة والروحيّة الدنيويّة والأخرويّة، الفرديّة والاجتماعيّة، وهكذا يكتشف أنّ الشرط الأوّل غير متحقّق عند البشر، وبما أنّ "معرفة الإنسان" هي أساس معرفة أصول سعادته ومعرفة الإنسان غير حاصلة فعلاً، بناءً على هذا نصل إلى النتيجة التالية وهي: أنّ العلم ليس واجدًا للشرط الأوّل والثاني لتدوين القانون، وأنّ كلّ ما طرحه حتّى الآن من قوانين الحياة لا أساس له وليس منطقيًّا، ومقنّنو البشر هم كالأطباء الذين يضعون الأدوية إلى جانبهم، ويعطون المريض منها دون تشخيص مرضه، حتّى دون أنْ يسألوه عن مكان ألمه.

وبهذا يظهر فقدان البشر للشرطين الأوّلين وأمّا الثالث:

 

نزاهة الفكر
فلو فُرض أنّ العلم استطاع يومًا ما كشف كلّ أسرار وجود الإنسان، وحلّ هذا اللغز الصعب، وأدرك إضافة إلى ذلك ما يحتاجه هذا الموجود المعقّد في سيره التكامليّ، مع ذلك أيضًا لا يستطيع أن يضع قانونًا دون أن يدخل فيه آراءه ونظريّاته الخاصّة، وعواطفه الشخصيّة.

يقول "منتسكيو" عالم الحقوق الفرنسي الكبير في هذا المجال:
"ليس هناك مقنّن ليس له رأي خاصّ في القانون، والسبب هو أنّ كلّ مقنّن لديه عواطف وأفكار خاصّة ويريد حال وضع القانون أنْ يجعل مكانًا لنظريّاته".

"المقصود هو أنّ القانون يصطدم دائمًا بعواطف ومشاعر المقنّنين، وقد يقع مطلقًا وبشكل كامل تحت تأثير عواطف ونظريّات المقنّن الخاصّة".

ويقع تحت تأثير حاجات المقنن الخاصّة أيضًا ويدلّ على كلّ ما ذكرناه حصول التغيّر الدائم في القوانين الوضعيّة بين إلغاء لقانون وتعديل لآخر وهكذا...

إذًا، ففكر الإنسان وأقصى ما يصل إليه من علم ومعرفة، لا يمكن أنْ ينفع في هداية الإنسان إلى الكمال.

وهنا يأتي السؤال: من هو الواجد لشرائط التقنين؟

والجواب واضح، وهو أنّ الواجد لهذه الشرائط هو خالق الكون وخالق الإنسان فقط، لأنّه وحده العالم بتمام أسرار وحاجات وجود الإنسان، ولا يمكن تصوّر أيّ حاجة فيه.
 
أمّا في مجال الشرط الأوّل "معرفة الإنسان": فبدليل أنّ الله هو خالق وصانع الإنسان، والصانع يعرف مصنوعه أكثر من أيّ شخص آخر، فهو أفضل عارف بالإنسان.

يقول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾1.

﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾2.

وبالنسبة للشرط الثاني "معرفة أصول السعادة": فالله تعالى يعلم أصول سعادة الإنسان بدليل أنّه هو العالم المطلق: ﴿أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾3.

 

وفيما يرتبط بالشرط الثالث "النزاهة":


فإنّه لا يمكن وجود أيّ نوع من الحاجة عند الله، فالهوى والخوف لا معنى لهما بالنسبة إليه، ولا يمكن أن يلاحظ منفعة في وضع القانون كما قال سبحانه: ﴿إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾4.

 

التقنين منحصر بالله عزّ وجلّ
بما أنّ الله سبحانه هو الواجد وحده لشرائط التقنين فإذًا، يجب انحصار حقّ التقنين بالله تعالى، وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم، ويسمّي من لم يحكم طبقًا لقانون الله باسم "الكافر" و"الظالم" و"الفاسق"، فيقول في مجال انحصار التقنين بالله عزّ وجلّ: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾5.

وبالنسبة لمن لا يحكم طبق قانون الله: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾6.

﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾7. ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾8.

وإذا كان التقنين منحصرًا بالله تعالى، فلا بدّ لله تعالى من أنْ يبيّن للناس القوانين والأحكام التي يوصل تطبيقها إلى الكمال الإنسانيّ، وهذا التبيين الإلهي لا بدّ من أن يحصل من خلال بعض الناس المميَّزين الذين يُطلق عليهم مصطلح الأنبياء. من هنا نعرف ضرورة النبوّة. ولا بدّيّة وجود أنبياء يوصلون القوانين الإلهيّة للناس.

 

الوحي والنبوّة على مدى التاريخ
لذلك كان تاريخ الإنسان بنظر القرآن متّحدًا مع تاريخ الوحي والنبوّة، فلقد كان الوحي موجودًا كبرنامج تكامل للإنسان منذ ظهور الإنسان، يقول الله تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾9.

ويذكر الإمام علي عليه السلام هذه الحقيقة أيضًا في موارد متعدّدة فيقول: "ولم يُخلِ الله سبحانه خلقه من نبيّ مرسَل، أو كتاب منزَل، أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة"10.

"ولم يخلهم بعد أن قبضه ممّا يؤكّد عليهم حجّة ربوبيته، ويصل بينهم وبين معرفته، بل تعاهدهم بالحجج على ألسن الخِيَرَةِ من أنبيائه..."11.

وفي كلام آخر له عليه السلام: "كلّما مضى منهم سلف، قام منهم بدين الله خلف حتّى أفضت كرامة الله سبحانه وتعالى إلى محمّد صلى الله عليه وآله وسلم..."12.

 

لزوم الاعتقاد بجميع الأنبياء
إنّ الاعتقاد بنبوّة ورسالة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم أمرٌ لا بدّ منه ولكنّه غير كافٍ وحده في الاعتقاد بأصل النبوّة، بل لا بدّ من الاعتقاد بجميع الأنبياء وهو أمر ضروريّ، يقول تعالى: 
﴿قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ﴾13.

ويرى الله سبحانه أنّ إنكار أحد الأنبياء هو إنكار لجميع الأنبياء، وأن المنكر كافر، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾ ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا﴾14.

ويقول الإمام الصادق عليه السلام: "اعلموا أنّه لو أنكر رجل عيسى بن مريم عليه السلام وأقرّ بمن سواه من الرسل لم يؤمن"15.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة ق، الآية 16.
2- سورة الملك، الآية 14.
3- سورة البقرة، الآية 231. وذكرت هذه الآية في سورأخرى.
4- سورة إبراهيم، الآية 8.
5- سورة الأنعام، الآية 57.
6- سورة المائدة، الآية 44.
7- سورة المائدة، الآية 45.
8- سورة المائدة، الآية 47.
9- سورة فاطر، الآية 24.
10-العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج11، ص61.
11- الشريف الرضي، نهج البلاغة،خطب الإمام علي عليه السلام، ج1، ص 177.
12- م. ن. ج1، ص 185.
13- سورة البقرة، الآية 136.
14- سورة النساء، الآيتان 150و151.
15- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 23، ص96.
 

برامج
1177قراءة
2021-04-11 11:35:06

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا