المقالات التربوية >> وسائل الإعلام: إيجابيّاتٌ وسلبيّاتٌ
وسائل الإعلام: إيجابيّاتٌ وسلبيّاتٌ
طرقَ البابمرّةً فأخرى فثالثةً، ولكن لم يسمعِ الجواب. حمل هاتفهالمحمول وطلبَ رقمَ زوجته، "لمَ لمْ تأتِ بعد؟ نحن بانتظاركَ". "أنا أمام الباب افتحوا لي!" دخل المنزل، هدوءٌ يعمُّ المكان، أبوابُ الغرفِ مغلقةٌ.فتح البابَ الأوّل، الابن الأكبرُ جالسٌ أمام حاسوبه ينجزُ بحثهُ الجامعيّ، أمّا الابنُ الأصغرُ فكان يحاربُ جيشًا عملاقًا على شاشته الصغيرة، يقومُ ويقعد ويتلفّت يمينًا ويسارًا. ثمّ همَّ بفتحِ بابِ الغرفة الأخرى فكانتْ ابنته تُهاتف صديقتَها وصوتُ التلفازِ يتعالى مع صوتها في الغرفة. جلس في غرفة المعيشة ينتظرُ وقتَ الغداء الذي تعدّه زوجته متّبعةً تعليماتِ قناتها المفضّلة للطبخ. كان وحيدًا فأدار التلفازَ ليتابعَ الجديدَ من الأخبارالتي صارت مؤنستهبعدما رفض فكرة اقتناءِ هاتفٍ ذكيّ كالبقيّة. ربّما يكونُ هذا حال أغلب الأشخاص مع وسائل الإعلام التي تعدّ ظاهرةٍ عالميّةٍ اجتاحت المجتمعات وتركت فيها آثارًا إيجابيّةً وسلبيّةً.
إنّلوسائل الإعلام بأشكالها المختلفة آثارٌ إيجابيّةٌ دخلت بيوتَنا فطوّرتِ الأفراد ونهضت بالمجتمع نحو الأفضل فهي تسلّلَتْ إلى عالمِنا فقرّبتِ المسافاتِ من خلالِ الاتّصالات السّريعة، المسموعةِ والمرئيّة فصارتِ الكرة الأرضيّة قريةً صغيرةً نتواصل فيها مع بعضناكنداءات الجيران من على الشرفات. واجتاحَتْ عقولَنا فساهَمَتْ في تطويرِ مجتمعاتِنا اقتصاديًّا، اجتماعيًّا وثقافيًّا. وأما عن المعلوماتُ فمهما صعُبَتْ، أصبحت لا تتطلّب التفتيش في قاموسِ مكتباتِنا، بلْ أصبحتِ الأبحاث والمعلوماتُ طَوْعَ لمسةٍ من إصبَعِنا على إحدى الشاشاتْ فننتقل من حالة التساؤلِ والاستفهام إلى حالة الإشباع من الأجوبة المتعدّدة.
ولكن إذا ما نظرْنا إلى الكوبِ من ناحية نصفِه الفارغ، بانَت لنا آثارُ وسائلِ الإعلام السّلبيّة.فقد زادَتْ مستويات العُنفِ في المجتمع، وباتَتِ الشّائعاتُ تنتشرُ كنارٍ في جبلٍ من الهشيمِ اليابس. فتتسبّب في الكثير من حالات الفهم الخاطئ،ناهيك عن تسببها في الكثير من حالات التفكّك الأسريّ وغيرها من المشكلات الاجتماعيّة. أمّا الكسلُ والتّراخي، فصارَ ملَكةً وصفةً مُتوارَثةً بينَ الكبارِ والصّغار يصمّون آذانهم ويسمّرون أعينهم على شاشاتهم الصغيرة والكبيرة غير مبالينَ لمن يجلس بقربهم أو معهم وينتظرُ استكمال حديثٍ أو أداء مهمّةٍ منهم.
وأخيرًا، لكي يستفيد الفرد من إيجابيّات وسائل الإعلام ويتجنب سلبيّاتها وجب عليهأن يحمِلَ ميزاناً يوازنُ ويراقبُ أساليبَ استخدامِ وسائلِ الإعلامِ وطرُقَ الاستفادة منها. وأن يكون لديه عقلاً مُتّزِناً يُولي الأهمّية للحاجةِ وتلبيتها، وقلْباً يجمعُ أحبّاءه ويحميهم من خطرٍ قادم،لكي لا تكون وسائل الإعلام سُمًّايودي بأجيال المجتمع إلى الهاوية،بل تكون عسلًايغذّيها فتتسلّق صعودًا نحو القمّة.