12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

مرحلة الشباب >> فلسفة الأخلاق

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

فلسفة الأخلاق
| فئة الشباب | 



نبذة عن الكتاب: 
 


 




اقتباسات: 
 

_ مفهوم الأخلاق

اما الافعال الأخلاقية فهي تملك قيمة أغلى ولها اهمية اكبر ، قيمة لا يدركها الذهن البشري ، ولأن أنواع( القيم) متفاوتة؛ فنحن حتى لو أخذنا بأعلى المقاييس فلن نتمكن من قياس القيمة الأخلاقية بالمقاييس المادية؛ فالاعمال العظيمة التي قام بها عليّ (ع) غير قابلة لان تثمن بكذا مليون أو مليار من الدولارات، أن لها قيمة أخرى تختلف كلياً عن القيمة الماديّة.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص21 



_ السوقي ومالك الاشتر

 وتلمس هذا مجسداً في سيرة تلميذ علي (عليه السلام ) مالك الاشتر، فقد ذكروا انه كان ذات يوم مجتازاً بسوق الكوفة وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض الباعة فازرى بزيه ورماه ببندقة اهانةً له، فمضى مالك ولم يلتفت اليه، فقيل للبائع: ويلك! اتعرف مَن رميت؟ فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب امير المؤمنين (عليه السلام). فارتعد الرجل وهرول ليعتذر إليه ، فرآه قد دخل مسجداً وهو قائم يصلي، فلما انقتل من صلاته، انكب الرجل على قدميه يقبلهما ، فقال مالك: ما الأمر؟ قال: اعتذر إليك مما صنعت. فقال: لا بأس عليك، فوﷲ ما دخلت المسجد الا لاستغفر لك .

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص29

 

 

_ دعاء مكارم الأخلاق

(الصحيفة السجادية) مجموعة من الادعية المعتبرة جداً مضموناً وسنداً، وهي من بركات زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)وقد اهتم علماء الشيعة - وما زالوا - منذ ذلك الوقت إلى الآن بهذه الصحيفة، وهي وحدها التي وصلت بأيدينا بصورة كتاب - بعد القرآن - من أواخر القرن الأول الهجري وأوائل القرن الثاني

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص25

 

 

_ وكيف كان، فينبغي للمؤمن أن يسعى لتجميل سيرة الآخرين وخلق جو من حسن الظن المتبادل بين الاخوة المؤمنين، وهذا انما يكون عن طريق الاشادة هنا وهناك بالخصال الممدوحة والسيرة المحمودة، والتستر على المساوئ واغضاء البصر عنها، وهذا الأمر في نفسه وظيفة اسلامية، فضلاً عن انه عامل مساعد في تقليل مساوئ الآخرين، لان من لديه مساوئ ومحاسن، اذا رأى المجتمع ينظر الى محاسنه ويتجاهل مساؤه، فسيسعى بدوره الى ازالتها وتقليلها، وخلاف ذلك من المجتمع يؤدي الى خلاف ذلك من الفرد بمعنى أنه سيصاب بخيبة امل في محاسنه، مما يؤدي الى طغيان المساوئ عليها.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 32


 

_ نهى القرآن عن اشاعة الفاحشة:

 ولهذا يقرع القرآن اسماعنا بنهيه الشديد عن اشاعة الفاحشة والمساوئ حتى الواقعية.. يقول تعالى {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم}  ومورد الآية المساوئ الواقعية للمؤمنين، والا
فبهتانهم والتقول عليهم فعذابه اشد، وفي الحديث "اذا اتّهم احدكم اخاه المؤمن ذاب ايمانه كما يذوب الملح في الماء" . ولعين هذا السبب حرمت ((الغيبة))، فانها تخلق في المجتمع الايماني حالةً من اساءة الظن والنظر بعين الريبة، علماً بان "الغيبة" عبارة عن افشاء المساوئ الواقعية للفرد للآخرين.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص33.

 

 

_ موارد مستثناة للغيبة 

نعم، توجد موارد مستثناة من التحريم، وهي جميعها ذات بعد اجتماعي صرف، من باب المثال الاستيضاح وطلب المشورة، كما لو أراد رجل مشاركة آخر، فيستنصح ويستشير من لديه معرفة وإطلاع على اخلاقيات "الشريك" وسلوكه، ليرى مدى صلاحيته للشركة. وكذا الحال في التزويج للبنت او الابن، وغير ذلك. وفي مثل هذه المواطن يجب على المستشار اظهار الحقيقة واخلاص النصيحة واعطاء المستنصح حقه. ومن المواد المستثناة اظهار المظلوميّة، فمن اغتصب ماله له كامل الحق في فضح الغاصب امام الملأ، لان امره يدور بين امرين اما السكوت على مضض وبالتالي يذهب حقه هدراً، واما اعلام المجتمع بظلامته، فهذه غيبة لكنها جائزة، لقوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم} .

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص33

 

 

_ ما هي (الإنسانية)؟

الإنسانية شعار يردده الكثير ، وهو بحاجة إلى فهم وتفسير دقيق لئلا يختلط الحابل بالنابل وتحل (اللاإنسانية) محل (الإنسانية) ، هل الإنسان هو هذا الحيوان ذو الرأس والأذنين ؟ بحيث إننا كلما رأينا حيواناً برأس وأذنين نقول: هذا هو "الإنسان"! وانه من ذرية آدم أبي البشر ويحب ذريته كافّة؟ أم أنه ليس المراد كل (إنسان) وان كان ضداً (للإنسان) بل المراد ب (الإنسان): الإنسانية الاصيلة. يعني: محبة البشر والشفقة عليهم والرأفة بهم. و "الإنسانية" تعني تقديس المثل والقيم الإنسانية النبيلة. فالإنسان إنسان وجدير بالحب بقدر ما يحمل من تلك المثل الإنسانية. وساقط عن الاعتبار بقدر تخليه عن (الإنسانية) وخلعه ثوبها وان كان مثل الآخرين في الظاهر.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 45



_ الفرق بين الميل والإرادة

إرادة الإنسان تتعلق بما يدرك العقل مصلحته، وبالتالي ينجزه استناداً إلى فتواه وإن كان ذلك ضد الميل النفسي الموجود لديه ، فمن يتبع نظاماً غذائياً خاصاً - مثلاً - تدعوه شهوته لتناول الاطعمة اللذيذة والاطباق الشهية الموضوعة أمامه على المائدة، وبما أن هذا الإقدام يضره، فإننا نرى العقل يردعه ويقول له: إن أكلت هذا الطعام فستنتابك عوارض مؤلمة وستقع فريسة سهلة للمرض، فإن كان عاقلاً ترك ميله واتبع عقله. 
ومثل ذلك أيضاً ما يحدث للمريض، إذ ان طبعه ينفر من الدواء، فهو ليس فقط لا ميل لديه نحوه، بل إنه يشعر بالتقزز منه . لكنه عندما يفكر ويرجع إلى عقله يجده يقول له: سلامتك وعافيتك توجبان عليك ان تتناول الدواء وان كان مُرّاً، وبناءً على حكم العقل هذا يصمم المريض على تناول الدواء وان خالف ذلك ميله النفسي.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 48_49

 

 

_ نظرية الفلاسفة المسلمين:

اذ انه كلما وُجد العقل وُجدت الارادة، وعدم العقل يعني عدم "الارادة". وهذا بخلاف الحيوانات الأخرى، فانها تملك ميلاً وشوقاً، لكنها تفتقد مفتاح السعادة الذهبي الا وهو ((الارادة)). وقولهم كل حيوان متحرك بالارادة اشتباه بيّن. اجل، قد يلغى الانسان ارادته ويتحرك بالشوق والميل فقط. وهذا نقصان حظ لا سلب ارادة.

وهذه النظرية مردها الى القول بالتوازن والتعادل. لكن ليس لحفظ الجمال، كما هو رأي افلاطون، بل لحفظ حرية العقل وتثبيت حاكميته

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص47

 

 

_ الوجدان و خلود النفس

يدرك الإنسان بوجدانه ما لا يدركه بعقله، وذلك لأن للقلب أسباباً خاصةً به لا يفهمها العقل، كما يقول (باسكال) العالم الرياضي المشهور إذا هناك طريق آخر غير العقل النظري) يوصل إلى الله تعالى وهو طريق القلب والوجدان، ويشار هنا إلى استعمال كلمة (القلب) مكان (العقل) في لسان عرفائنا، ومرادهم منه هو الوجدان المطروح هنا. وهذا الوجدان نفسه هو المراد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) مع ذلك الرجل الذي قال له: يا ابن رسول الله دلّني على الله، ما هو ؟ فقد أكثر المجادلون وحيروني. فقال (عليه السلام) له يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم.
 قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك ؟
قال: نعم
قال: فهل تعلق قلبك هنالك أن شيئاً من الاشياء قادر على ان يخلصك من ورطتك ؟
قال: نعم.
قال الصادق (عليه السلام): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي وعلى الاغاثة حيث لا مغيث.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص68

 

 

_ العقل العملي والعقل النظري

العقل، فهو دائماً ينشد المصلحة، ويدور حيثما دارت، وأحكامه أبداً مشروطة بها، فلو زالت المصلحة وارتفعت رفع العقل اليد عن حكمه ايضاً، هذا قول كانت فهو - مثلاً - يأمر بالأمانة والصدق ما داما يجلبان مصلحة.وينهي عنهما ما داما يجلبان ضرراً. يقول - كانت - في هذا الصدد ان الاخلاقيين إنّما يعملون خلاف الأصول الأخلاقية أحياناً لأنهم لا يستندون إلى إلهام الوجدان وحكمه، بل يستفتون، "العقل" ويأخذون برأيه لأن الذي يراعي المصلحة هو العقل دون الوجدان.
 الوجدان يحث على الصّدق ولو جلب الضرر على صاحبه، وينهى عن الكذب ولو جلب النفع الكثير لصاحبه، وكما يقول حافظ: . لا أعرف من يتعب قلبي في أعماقي أنا صامت وهو في صياح وهتاف.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 59-60. 

 

 

_ مطلقية أحكام الوجدان 

ان الكذب قد يكتسب في بعض الحالات سمة الحسن وتنعدم مفسدته، واما الحكم بشيء بدون تجربة مسبقة كما يفعله البعض، فلا يؤدي الى مطابقة الواقع، فمن لم يجرب (الصدق في حياته وجبل على الكذب لو سألناه هل تكذب اذا اقتضت المصلحة ذلك؟ لأجاب بدون تردد كلا، لا يجوز الكذب مطلقاً. فهو لأنه لم يجرب الصدق» أصلاً، لا يخطر بباله انه قد يكون ذا مفسدة. بخلاف الممارس للصدق، فهو يدرك روح الصدق، وأنه إنما يصدق للمصلحة، فاذا اقتضت المصلحة ان لا يصدق، اخذ بها، ولذا أجاز الفقه الاسلامي الغيبة والكذب في موارد معينة رعاية للمصلحة. بينما أكد على حرمة الكذب في بقية الموارد لا سيما ما أُريد منه القاء العداوة والبغضاء بين الناس. ولهذا حرص الدين الاسلامي على إبعاد المسلم من الكذب وممارسته، بل حتى عن مجرد التفكير فيه ، فعن امير المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه).

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص74_75

 

 

_ مطلقية أحكام الوجدان

ان الوجدان يأمر بالصدق مطلقاً أياً كانت النتيجة ؟ لا ريب أن الأمر ليس كذلك. لأن الوجدان لا يرضى أبداً بالظلم وإهدار حق الآخرين ، وهذا حكم مطلق غير مقيد بعدم الكذب. ولذا أجاز الفقه الإسلامي مثل هذا الكذب الحكيم لحكم العقل العملي به، وهذا هو رأي أهل المعرفة والحكمة. وهذه المسألة قريبة الصلة بمسألة الحسن والقبح العقلي المطروحة من قبل المتكلمين والاصوليين يقول سعدي: الكذب ذو المصلحة خير من صدق ذي فتنة.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص72

 

 

_ سعة الروح

ان روح الإنسان عالم عجيب، أعجب العوالم عالم روح الإنسان ونفسه، روح الإنسان تشبه جهاز حفظ الصوت من حيثية واحدة، لكن ليس الجهاز الذي لا يتحمل سوى شريط صوت واحد بل الجهاز الذي يتحمل ويستوعب عشرات ومئات الأشرطة الصوتية كل واحد منها يحفظ صوتاً خاصاً ونغمة خاصة، بحيث اذا ضغط أي زر أو أدير أي مفتاح انبعث صوت خاص بمجرد أن يوضع الاصبع على نقطة ما، ينبعث صوت قرآن وإذا وُضع على نقطة اخرى انبعث صوت حديث ديني، أو وُضع على نقطة ثالثة سمع قارئ يقرأ .... وهكذا روح الإنسان في تنوع استعداداتها واختلاف قابلياتها، بمعنى ان ﷲ تعالى أودع وجود الانسان استعدادات متنوعة ومختلفة، بحيث إن مربي البشرية وموجهيها يضع كل فريق منهم، أصبعه على احد هذه الاستعدادات، مثلاً قد ترى امة ما ، يهتف كل افرادها بالحماسة السياسية والعصبية الوطنية، ولا يوجد لديهم شيء آخر، وهذا شريط صوتي موجود فيهم وهو الذي يصدر تلك الهتافات، وقد نرى امة اخرى يتحدث جميع افرادها عن فضيلة الزهد والرياضة الروحية...

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 113.

 

 

_ "إن المؤمن لا يصبح ولا يمسي الاَّ ونفسه ظنونٌ عنده" . 

فالمؤمن ينظر دائما الى نفسه ظاناً بها السوء، فهو كرجل له جارٌ خائن، لا يطمئن اليه ودائماً يحذر خيانته، وفي الأدب الاسلامي، سواءٌ العربي ام الفارسي، توجد أشعارٌ كثيرة في هذا المجال، يقول ((سعدي)) في((بوستان)) : 
قال لي الشيخ الحكيم المرشد شهاب حكمتين على السفينة، الأولى لا
تُسئ الظن في الناس، الثانية ان لا تحسن الظن بنفسك ولا تُعجب بها. 
هذا من جانب، ومن جانب آخر من نهج البلاغة نرى تقديراً وتكريماً عاليين للنفس، من ذلك ما نقرأه في وصيته - عليه السلام - للإمام الحسن المجتبى - عليه السلام - حيث كتب فيها :
"واكرم نفسك عن كل دنيّة وان ساقتك الى الرغائب، فأنك لن تعتاض بما تبذل من نفسك عوضاً، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك ﷲ حراً، وما خيرُ خير لا ينال الاَّ بشر ؟ ويسر لا يُنال الاَّ بعسر؟»
 
 
فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 116.


 

_ وفي (تحف العقول) عن الصادق - عليه السلام - "ولا تكن فظاً غليظاً بكره الناس قُربك، ولا تكن واهناً يُحقرك من عرفك" أي: كن دمث الاخلاق لين الجانب طلق الوجه، لا متكبراً مصعراً خذّك للنّاس لئلا يزهد الناس في قربك، وكن في ذات الوقت عزيز النفس مرهوب الجانب، ولا تلبس ثوب الذل والمسكنة فيحتقرك الآخرون.لأن العزةَ للّه ورسوله والمؤمنين.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 123، 124.

 

 

_ ((نفس)) البخيل

البخيل من مصاديق الذين اضاعوا انفسهم ، ولعليٌّ - عليه السلام - كلامٌ في هذا المعنى. البخيل إنسان اضاع نفسه، وصارت الاموال والثروة غايته ومنتهى طموحه والبسها ثوب الاصالة، وبتعبير علماء نفس اليوم، حكَّم المال وثبته. فالنقود هي ((الانا)) في نظره ولا توجد ((انا)) أخرى غير المال والنقود. وهو يريد نفسه للمال دون العكس، ولأجله يغمض عينيه عن روحه وحياته ونجاحه وعمره كله، وليس مستعداً لأن يغمض عينيه عن المال الصالح سلامته وسعادته. 
يقول عليه السلام في نهج البلاغة "عجبت للبخيل، يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إيَْاه طلب، فيعيش في الدنيا عيشَ الفقراء ويحاسب في الآخرة حساب الاغنياء." 
انه سيئ الحظ حقّاً ، فهو يستبدل نفسه بالنقود ولا يملك نفسياً» ان يستبدل "النقود" بنفسه، فيلبس ما خُلق من اللباس ويأكل ما خشُن من الطعام حتى يدّخر قليلاً من المال. فهو فقير، لأنَّ من لا ينتفع بطعام ومسكن ومركب وملبوس لائق وحسن فهو فقير، والبخيل وان كان غنياً، إلاَّ أنَّه يعيش مرارة الفقر وصعوبته، يقضي عمره في تناول الخبز والجبن اشفاقاً وحذراً من الفقر ، فيخسر بذلك "نفسه" الواقعية.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 130.

 

 

_ وقد ُيصمم إنسان ما على أن يكون من اهل الاسحار، فإذا استيقظ سحراً، واراد النهوض أتى اليه (الميل) ليقول له في اذنيه: ابق في هذا الفراش الدافئ ولا تبرحه، أما الارادة الاخلاقية فتقول له: هيا إنهض ولا تتوان، ففي مثل هذا الموقف، قد ينصاع الإنسان للإرادة ويعمل ما يضاد ((ميله)) وطبيعته، وقد ينصاع لميله ويجاري طبيعته فيبقى في مرقده مرتاحاً، وهذا النزاع والاختلاف لا وجود له في الحيوانات، بل هي تسير وفق طبائعها وميولها المغروسة فيها بيد بارئها تعالى
. اذا - وكما يقول علماء النفس - : هذا الجدال الداخلي للإنسان هو بين نفسيه. وبعبارة أخرى في باطن الإنسان قوتان متصارعتان، وهما في صراع دائم فواحدة تقول : قم بهذا الفعل، والأخرى تخالف ذلك وتعلن معارضتها. فإذا ما انتصرت الميول الطبيعية الحيوانية على الارادة الاخلاقية أصيب الإنسان بالخجل والإنكسار والتقهقر، وهو في هذه الحال كالفارس الشجاع المرسل الى ساحة الوغى المبارزة فارس آخر ومقارعته فيُصاب بالهزيمة ، فيشعر وقتها بالانكسار وتعلو وجهه حمرة الخجل.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 127.



_ افترضوا أن شخصاً أعدَّ ارضاً لبناء مسكن له، إلا أنه ولسبب ما، لم يكن يبني في النهار، بل كان يشتغل بالبناء ليلا فقط، وقد أتعب نفسه وأجهدها وأنفق أموالاً حتى أتم المنزل. فلَّما أراد الإنتقال إليه وإتخاذه سكناً، فوجئ بأنه قد شيّد المنزل المطلوب في أرض الآخرين!! وأن أرضه المجاورة خاليةٌ لا شيء بها حتى ولا لُبنةً واحدة! فماذا سيكون شعوره في مثل هذه الحال ؟

هكذا هي حال الإنسان عندما يرى ساحة القيامة، سوف يُعاين نفسه ويراها صفر اليدين ومجردةً من كل شيء كارض صاحبنا المذكورة. سوف يُدرك ان الشيء الذي لم يقدم له شيئاً ولم يدخر له مؤنةً هو نفسه»، وأن الشيء الآخر الذي سعى من اجله وعمل له ، ليس ملكاً له، لأنه كان في ارض الآخرين.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 127.

 

 

_ روح الانسان منبع الحس الاخلاقي

((الأنا)) الواقعية لكل انسان في نظر الاسلام هي تلك النفحة الالهية السارية فيه، والاحساسات الاخلاقية انما تنبع من هذه "الانا" ، ولولا وجود هذه"الانا" الواقعية في الانسان لانطفأت هذه الاحساسات وانعدمت لعدم ملاءمتها للشهوات الحسية. والعجب أن الفكر "الغربي" ولاسباب ليس هنا محل ذكرها - (وللميول الشهوانية والاهواء النفسية دور فاعل في ذلك) يرفض الاعتراف بوجود روح ملكوتية عُلْوية للإنسان، (هذا بطبيعة الحال لا يعم الجميع، اذ يوجد فيهم "روحيون" كُثر يسلمون بذلك).

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 131، 132.


 

_ معرفة النفس طريق معرفة الرب

الاَّ أنَّ (نفس) الإنسان التي هي أقرب اليه من أي شيء، لها من الهداية والدلائل الالهية ما ليس لغيرها من الموجودات. فالإنسان له جنبتان يشترك في واحدة منهما مع بقية الموجودات الطبيعية، وهذه الجنبة هي جسمه المادي، فوظائف الاعضاء الفسيولوجيا كلها تشترك في هذه الدلالة. فكما أن ورق الأشجار تدل على الصانع، كذلك اصابع الإنسان واظافره بل وكل شعرة فيه هي ذات دلالة، فهو إذا من هذه الجنبة نظير
ومثيل الموجودات الأخرى.

اما الجنبة الأخرى فهي من مختصات النفس الإنسانية. يقول تعالى:
{وفي الارض آيات للمؤمنين} ، فكل شيء في الأرض آية، بما في ذلك الإنسان ، لكن مع ذلك يقول تعالى: {وفي انفسكم}  حيث خص تعالى الإنسان بجملة خاصة.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 142.

 


_ معرفة النفس طريق معرفة الرب

 يحسب القرآن الكريم لمسألة "معرفة النفس  حساباً خاصاً وهي تحظى منه بعناية منفردة، بمعنى: أن القرآن المجيد يعتبر كل عالم الطبيعة وعالم الخلق أيةً ودرساً لمعرفة ﷲ تعالى. وكل شئون ونواميس العالم واحداثه بسماواته وأرَضيه، آيات وعلامات ودلائل على الوجود المقدس للخالق:
{انّ في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ الأولي الالباب}.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص141. 

 

 

_ معرفة النفس

"معرفة النفس" واحدةٌ من اقدم توصيات حكماء العالم ، وقد اسهم الانبياء العظام وكبار الحكماء في ابلاغها للبشر، ومعرفة النفس وصية محتفظة بحيويتها وقيمتها دائماً، بل هي تزداد اهمية ورسوخاً تدريجياً. "أيها الإنسان! إعرف نفسك" جملة معروفة للانبياء والحكماء. ولقد بيّن المعصومون - عليهم السلام - هذه الحقيقة في الروايات بتعبيرات مختلفة يقول عليّ - عليه السلام - : "من عرف نفسه فقد عرف ربَّه ويقول الامام الصادق. عليه السلام - :" كن طبيب نفسك.. فإنك قد جُعلت طبيب نفسك وعُرفت آيةالصحة وبُين لك الداء ودُللتَ  على الدواء". 


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 140.

 


 

_ التعامل القرآني مع الأعداء:

عندما دخل المسلمون مكة المكرمة، مكة التي كسر أهلها رباعية الرسول الكريم وأدموه، مكة التي طرد أهلها الرسول وأصحابه بعد أن أذاقوهم سوء العذاب. لكن يأتي الوحي بهذه الآية الكريمة {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‏ أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏} يعني: لا تخرجكم عداوة القوم لكم عن حدود العدل بحجة الانتقام وأنهم مشركون وأعداء، فإن لكل شيء أدبًا وأخلاقًا، فإن تكن عداوة فللعداوة أخلاقها وأدبها.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 166.

 


 

_ حاجة البشرية إلى الله تبارك وتعالى:

أحد الأدلة على ديمومة الحاجة إلى الله تعالى والإيمان به هو حاجة البشرية للأخلاق، فما دامت بحاجة إليها فهي بحاجة إلى قوامها وهو الله تعالى، لأنه هو مبدأ كل شيء وإليه ينتهي كل شيء، وكل شيء لا يتصل به فهو منقطع الأول والآخر، يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ}{تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها} فالقول الحق والكلمة الطيبة، متجذران في فطرة الإنسان ووجدانه كتجذر الشجرة الباسقة في الأرض الصلبة. تُؤتي ثمارها كل فصل، فكل فصولها ربيع أما زخرف القول وباطل الكلام، فهو مهما ظهر بمظهر الحق والعلم مثل كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثةٍ اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار فكما أن الشجرة التي لا أصل لها متزلزلة، كذلك باطل الكلام كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 168.
 

 

 

_ الإمام الحسين(عليه السلام) والأخلاق:

وإن حدت بك الرغبة لأن تعيش هذا الجو فعليك بسيرة الحسين بن علي(عليه السلام). الجميع يعرف الظروف الصعبة التي قام فيها الحسين(عليه السلام) بحركته الإصلاحية، كان زمانه(عليه السلام) مملوءً بالظلم محفوفًا بالتجاوزات السافرة وهدر الحقوق. في ظل هذه الأجواء الحالكة السواد نهض الحسين(عليه السلام).
ولكن... هل كل ذلك أثر في أخلاقه الفاضلة وسجاياه الكريمة؟ هل دعته قسوة العدو إلى تبني ما يتبناه من غدرٍ ونفاقٍ وتلون؟ كلا وألف كلا، بل أن حصيلة تربيته يأبى ذلك فكيف به(عليه السلام). فهذا مسلم بن عقيل سفيره إلى أهل الكوفة رفض رفضًا قاطعًا أن يفتك بابن زياد غدرًا رغم سنوح الفرصة لذلك، لإن ذلك جُبن لا شجاعة ودناءة لا مروءة. ولما قيل له في ذلك قال إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: الإيمان قيد الفتك.


فلسفة الأخلا ق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 166.

 


 

_ الأزمة المعنوية والأخلاقية أعقد مشكلات العصر:

علماء الاجتماع والمحللون يعلمون جيدًا بأن أكبر العقبات التي تواجه المجتمعات البشرية -خصوصًا المجتمعات المتطورة أو ما يسمى بالعالم الأول- هو التوتر المعنوي والضمور الأخلاقي. وفي جنب هذه المشكلة تهون المشاكل الأخرى سياسية كانت أم اقتصادية. لأن الأزمات السياسية. مثل قضية العرب وإسرائيل ومسألة الحدود المتنازع عليها بين الصين والاتحاد السوفيتي -لا تعد من الازمات المستعصية على الحل. ومثلها الأزمات الاقتصادية كمسألة التضخم العالمي، بل حتى مثل الحروب العالمية. فهذه كلها تحل بطريق أو بآخر. الأزمة الوحيدة الجامعة التي ما زال يتخبط بها العالم هي الأزمة المعنوية الجاثمة على صدر إنسان اليوم. ولربما كانت بعض الأزمات المستفحلة غير معنوية في الظاهر، لكنها في نهاية المطاف تعود إلى أسباب معنوية.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 173-174.


  

_ الإلهيون:

قد أضاء الصبح لذي عينين وتقشعت السحب الثقال عن عين الشمس والقول الفصل ما عليه الإلهيون من أن الله تعالى هو الملهم والمرشد، وإن تلك الميول الخيرة إنما هي فطرته تعالى في خلقه، هي نداؤه تعالى للإنسان وكل هذه التضحيات لن تذهب هدراً، لأنه للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، ولأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا من ذكرٍ أو أنثى. ومن هذا الإحساس، يتحمس أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الطيبة لكل ما فيه خير للبشر. ولكن الخوف من تلاشي المذهب المادي وإحياء التوجه الإلهي، هو السبب في بروز الآراء السخيفة والنظريات الحمقاء، ولكن الله تعالى بالغ أمره.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 154.

 


  

_ الفراغ:

إن الحياة السطحية والرفاهية، والخلاء الروحي، وضبابية الرؤى الاجتماعية والدينية إضافة إلى قلة ساعات العمل وارتفاع الأجور في الدول الصناعية كل هذه عوامل أوجدت فراغًا وأوقات ميتة، وقد قيل قديمًا: إن يكن الشغل مجهدة، فإن الفراغ مفسدة.
والفراغ في نفسه سبب لكثير من السلبيات ما لم يُملأ، لكن كيف يملأ ؟ إن ما وفروه من وسائل تسلية كالسينما والمسرح ونحوهما، زاد الطين بلة كما يقولون، لأن هذه المسليات تؤدي إلى نسيان النفس واللهو عنها وتنمية النفس السرابية الخادعة، ولا يلبث الإنسان حتى يرجع إلى نفسه مستشعرًا الفراغ يلفه من جديد.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 175.

 


 

_ الانتحار: 

تفشي ظاهرة الانتحار من المسائل التي تؤرق من يهمهم الأمر وتشير الدراسات في هذا الشأن إلى أن هذه الظاهرة المشؤومة تتوطن في الأصل المجتمعات الراقية والمرفهة. مما يعني أن أسبابها غير مادية وليست من سيئات الفقر، وإن كان الفقر المادي نفسه ناتجًا عن أمر معنوي. إذًا: ما هو العامل المتهم هنا؟ إنه الشعور المتنامي بعبثية الحياة والعجز عن معرفة سرها، فالإنسان لا يدري لماذا يحيا، وما فائدة هذه الدنيا ؟ إنه الفراغ، يملأ كيانه ويحوطه من كل جانب، إنه الجزع وعدم القدرة على تحمل مصاعب الحياة ومكاره الدهر، فيكون هذا باعثًا على التنصل من المسؤولية، وعلى حد تعبير هؤلاء أن الحرية تكون في الحياة المنفلتة والفارغة من أي معنى.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 174-175.

 


  

_ الانفلات وتمرد الشباب:

من الظواهر المنتشرة في عالم الغرب تميع الشباب وانفلاتهم من التقاليد والأعراف والسنن، فلو سرحت فيهم بصرك، لرأيت واحدهم وقد أطلق شعر رأسه ولمته، وأبان عن ذراعه ومتنه، ولم يرتد من الملبوس إلا ما تهلهل وتخرق، ولا من السروال إلا ما قصر وأطبق، وهذا النموذج من الشباب يصطلح عليه بـاللاأبالي، واللاأبالية تدل على صدوف الشبيبة عن المدنية الحاضرة وعزوفهم عنها رغم ما توفره لهم من أدوات المتعة ومستلزمات الراحة المادية، وما ذلك إلا لشعورهم بعدم أهليتها وقدرتها على تلبية حاجاتهم الحقيقية، بل على العكس، وجدوا أنفسهم واقعين تحت ضغوط نفسية مرهقة، فرأوا أن الأجدر هو أن يكونوا لا أباليين فتعاطوا المخدرات لعلها تخفف شيئاً من آلامهم وهمومهم.
وهذا الجيل اللامبالي، لديه قناعة بأن هذه المدنية فارغة المضمون وأنها كالبرق الخُلّب، وإن كانوا قد لا يشخصون داءها، وفيما إذا كان هذا الداء يكمن في تقصير الآلة الصناعية أو في ضحالة الفكر وفقره؟ ولأجل هذا كله نراهم يتوافدون على الشرق خصوصًا أقصاه زرافات ووحدانًا اعتقادًا منهم بأن فيه بغيتهم وبأن فيه من الإيمان ما يشبع روحهم ويطمئن نفوسهم القلقة، إن الآلة الصماء التي علّقوا عليها آمالهم، لم تزدهم في أنفسهم إلا خسارًا، ولا في أخلاقهم إلا جفافًا وانحدارًا، فيمموا الشرق والبلاد الهندية، طلبًا لندى الإيمان وطراوة العرفان ومن حسن الحظ أن هذه الظاهرة محدودة الوجود بين شبابنا، فهم واقعًا لا طغيان فيهم ولا انفلات والموجود من ذلك بينهم تقليد محض الشبيبة الغرب، فهي ظاهرة مهاجرة لا جذور لها في نفوس شبابنا.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 176.

 


 

_ شيوع الأمراض العصبية والنفسية:

أمراض المدنية اسم أُطلق على مجموعة الأمراض والإضطرابات النفسية التي أفرزتها المدنيات المعاصرة.
الإحصائيات -وهي موجودة لدى الغرب من أكثر من مئتي عام خلافًا لحالنا- تشير إلى أنه كلما ارتفع المستوى الصناعي والرفاه المادي إزدادت هذه الأمراض شيوعًا، ويؤيد هذا أن أسلافنا كانوا بمنجى من هذه البليات رغم ما عانوه من خشونة الحياة وبدائيتها. ثم أنه غير خافٍ أن الأمراض العصبية تارةً تؤدي إلى الألم وعلل عضوية، مثل التهاب الأمعاء وقرحة المعدة، وتارةً تؤدي إلى تأزم نفسي محض مثل الاكتئاب. وآمل أن لا يُساء فهم كلامي، فأنا لا أحبذ الفقر أو أدعو للحد من التمدن، كلا، وإنما أدعو إلى إيجاد الحل الأمثل لرفع هذه الأمراض المكدرة لصفو الحياة لئلا تكون ضريبة التمدن هي حياة الإنسان وسعادته.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 176.


 

_ إنحسار العاطفة:

إن اللهاث وراء سراب الحياة والابتعاد عن الله أفضيا إلى جمود الإحساس بالحب والمودة بين الأفراد، فهم يعيشون بلا روح تقدح فيهم شعلة العاطفة الدافئة، تمامًا كالآلة الصماء، حتى الأمومة فقدت معناها، فلم تعد الأمهات يحببن أولادهن كما تقتضيه مشاعر الأمومة. وكذا الأخ بالنسبة لأخيه.. وهكذا، حتى نصل إلى علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. وهذا ينعكس سلبًا على العلاقة الزوجية التي هي نواة المجتمع، فتزداد حالات الطلاق وتتفرق العائلة حينئذٍ أيدي سبأ.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 178.

 


  

_ بلاد الشرق واللاأبالية:

وهذا الجيل اللامبالي، لديه قناعة بأن هذه المدنية فارغة  المضمون وأنها كالبرق الخُلّب، وإن كانوا قد لا يشخصون داءها، وفيما إذا كان هذا الداء يكمن في تقصير الآلة الصناعية أو في ضحالة الفكر وفقره؟ ولأجل هذا كله نراهم يتوافدون على الشرق خصوصًا أقصاه زرافات ووحدانًا اعتقادًا منهم بأن فيه بغيتهم وبأن فيه من الإيمان ما يشبع روحهم ويطمئن نفوسهم القلقة، إن الآلة الصماء التي علّقوا عليها آمالهم، لم تزدهم في أنفسهم إلا خسارًا، ولا في أخلاقهم إلا جفافًا وانحدارًا، فيمموا الشرق والبلاد الهندية، طلبًا لندى الإيمان وطراوة العرفان ومن حسن الحظ أن هذه الظاهرة محدودة الوجود بين شبابنا، فهم واقعًا لا طغيان فيهم ولا انفلات والموجود من ذلك بينهم تقليد محض الشبيبة الغرب، فهي ظاهرة مهاجرة لا جذور لها في نفوس شبابنا.

فلسفة  الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 176.

 


 

_ أصالة العلم:

بل أعتقد بأن الخطأ الفادح الذي نجمت عنه هذه التداعيات هو مقولة أصالة العلم، التي تبناها فرانسيس بيكون وأتباعه ونادوا بها. لقد حسبوا أن العلم وحده هو إكسير الحياة، وأنه البلسم الشافي والدواء المعافي لكل أمراض البشرية، من فقر مدقع وظلم مطبق وجشع وقلق، لأن هذه كلها ناشئة -في نظرهم- من الجهل فإذا حصل العلم ارتفعت مظاهره برمتها، وهذه بلا شك رؤية قاصرة، لم تدرك سوى زبد الواقع، لأن العلم وحده لن يحقق للإنسانية ما تصبوا إليه من سعادة وطمأنينة بال، فالعلم وإن كان نورًا مقدسًا، لكن لابد من قرنه بالإيمان لأنهما توأمان، وإذا ما تجرد العلم من الإيمان تحول إلى شر وفساد، ولذا ذكرت الأحاديث الإسلامية إن المؤمن أحق بالعلم من غيره.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 182.

 


 

_ المجاعة:  

ذكرنا سابقًا أن بعض الأزمات قد لا تُصنف ضمن الأزمات المعنوية اصطلاحًا، لكن لها أسباب معنوية، ومن ذلك مسألة المجاعة، فمن المعلوم أنه يوجد الآن في العالم أكثر من خمسمائة مليون إنسان جائع، أكثرهم في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وإن كان يوجد أيضًا كم غير قليل منهم في الدول الغنية، وهذه المأساة مردها عدم الإحساس بالمسؤولية الإنسانية، وسوء توزيع الثروة وتبديدها فيما لا ينفع، فلو خصص خمس ميزانيات التسلح العالمي لصالح القطاع الزراعي، أو الثورة الخضراء كما يسمونها، لانجلى هذا الكرب والهم.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 178.

 


 

_ أهمية الجهاد الأكبر:

 السر في الحاجة للإيمان هو أن الإيمان يفتح حصونًا لا سبيل للعلم إليها، وتلك هي حصون النفس الإنسانية، وهذا الفتح هو ما يسمى بالجهاد الأكبر في علم الأخلاق وتهذيب النفس.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 186.

 


 

_ العدو الداخلي:

الجهاد في الإسلام لا يقتصر على مقارعة الطغاة ومحاربة الظلمة، بل يوجد عدو داخلي أخطر تجب مقارعته والحذر منه. وقد أجاد مولوي في تصويره لهذا المعنى شعرًا إذ يقول: أيها الفرسان قد قتلنا عدونا الظاهري، لكن بقي عدو داخلي ألد وأخطر.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 186.

 


 

_ إطلاق العنان للنفس:

إن النفس نار موقدة، والنار تبتلع من يقترب منها كما يبتلع الثعبان. وهذه النار الحريق -التي هي النفس- لا يخمدها ماء البحر.
والمعنى: أن حصن النفس لا ينفع معه علم أو فلسفة، بل لا بد من إيمان راسخ يدكه دكًا، ولذا ذكرنا فيما سبق أن الخطأ الذي وقعت فيه البشرية ليس هو اختراعها الآلة كما يقول السيد توينبي بل الخطأ يكمن في الطمع والحرص اللذين لا حدود لهما. وإطلاق العنان في ذلك للنفس. وهذا ناتج من عدم الإيمان، ولن يلجم هذه النفس ويسخرها سوى الإيمان وليس لنا طريق نجاة إلا بالرجوع إلى دفء الإيمان.

 
فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 187.

 


 

_ الأخلاق والشيوعية:

كل مذهب ومدرسة تدعي الشمول لا بد لها من وضع معيار وميزان للأخلاق. والمذهب الشيوعي باعتباره مذهبًا يُقدم تفسيرًا شموليًا لظواهر الطبيعة والمجتمع فإنه أدلى بدلوه في المجال، وأقام نظامًا أخلاقيًا يرتكز على معيار محدد. وقبل ذكر ومناقشة هذا المعيار، لا بد أولًا من الإلمام بأوليات هذا المذهب لتتضح لنا الرؤية بشكل أفضل. فالشيوعية مصطلحٌ يُراد به جعل الثروة كلها ملكًا للمجتمع، بحيث تزول الملكية الخاصة زوالًا أبديًا من المجتمع.

فلسفة  الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري، ص 191.

 


 

_ التغيرات الكيفية والكمية:

والمراد بتصاعد التغيرات الكيفية هو ازدياد وارتفاع مستوى التغيرات الداخلية للشيء، والمراد بتحول التغير الكمي إلى تغير كيفي هو أن حركة التضاد تبلغ أوجها ونهايتها لينتهي الأمر بانتصار أحد الأضداد المتصارعة، وانتصاره يعني بروز حالة ثالثة بهذا الترتيب: 
۱- حالة التولد.
۲- حالة النمو. 
٣- حالة التغير الكيفي وبلوغ التكامل.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري. ص 194.

 


 

_ تكامل المجتمع:

وكما أن هذه الحركة والتفاعلات المتضادة حاصلة في الموجودات الطبيعية، كذلك هي حاصلة في المجتمع البشري أيضًا. بمعنى أن المجتمع في كل مرحلة من مراحله يعيش في داخله حالة من النمو والحركة المتضادة، وهذه الحركة والتفاعل يؤديان إلى حدوث انقلاب وتغير في ذلك المجتمع وهو ما يُعبر عنه بالتغير الكيفي. أي أن يتبدل النظام الاجتماعي للمجتمع ويحل مكانه نظام آخر يكون أكمل وأرقى بالضرورة. وهذا النظام الجديد ستعتريه أيضًا ذات الحالة السابقة من الحركة المتضادة ليحصل انقلاب كيفي جديد وليصل المجتمع إلى مستوى أعلى وأفضل.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 195.

 


  

_ الحرية والمساواة:

هناك اتجاهات ومدارس أخرى لا ترى هذا الرأي، فبعض يسرى الأصالة المطلقة للفرد. ومن هنا تنشأ مشكلة مزمنة بين الحرية والمساواة إذ أن لكل منهما قيمة واعتبارًا في نظر الإنسان، والمشكلة هي أنه إذا قلنا بحرية الأفراد فهذا يعني إلغاء مبدأ المساواة بينهم، وإذا أردنا إجراء كامل المساواة فلا بد من تضييق دائرة الحرية الفردية.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص  202.

 


 

_ المساواة بين المعسكرين الغربي والشرقي:

المعسكر الغربي رمى المساواة جانبًا واعتمد في نظامه على الحرية الفردية، والمعسكر الشرقي رمى الحرية خلف ظهره واتجه نحو المساواة. وهذا الاختلاف في التوجه ناشئ من فلسفتين مختلفتين. والذي يهمنا فعلًا هو جواب هذا السؤال: هل الأمر كما يقولون؟ يعني إما نختار تكامل الفرد وإما تكامل المجتمع، ولا خيار ثالث يؤمّن لنا الاثنين؟ أو إنه يوجد طريق ثالث يؤمن للفرد حريته وتكامله بما لا يؤدي إلى ضرر المجتمع فيكون تكامل الفرد مندمجًا في تكامل مجتمعه.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 203-204.

 


  

_ نظرية راسل:

ومن النظريات المطروحة اليوم ما أتى به برتراندراسل، وقد أوضح نظريته الأخلاقية في عدد من كتبه منها كتابه "العالم كما أعرفه" حيث عقد فيه فصلًا خاصًا للأخلاق. وله كتاب آخر أيضًا يحمل عنوان "الزواج والأخلاق"...
وهو في الحقيقة يعتقد بما يُصطلح عليه الأخلاق العقلية بمعنى: الأخلاق الذكية المرتكزة على المنفعة الخاصة. وهو -لأنه مادي الفكر- لا يعتقد بأي معيار أخلاقي.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 209.

 


 

_ الرد على نظرية راسل:

والواقع أن كلامه الأنف ينصب على إنكار الأخلاق من حيث إن لها قيمة ذاتية. حيث أنه ربطها بالنفع. وهناك ملاحظات ترد على هذا الكلام منها:
1- أن هذه الأخلاقيات النفعية عارية من ثوب القداسة، وفاقدة للقيمة، لأنها ليست شيئًا سوى المنفعة. وهذا خلاف الشعارات التي يهتف بها راسل نفسه، وهو يُعد أحد الذين تخالف فلسفتهم شعارتهم. إن راسل معروف عنه انسانيته، والحال أن فلسفته ضد ذلك، لأنها فلسفة تقوم على طلب الكسب والسعي للمنفعة. وقد انخدع بشعاره الكثيرون.


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 212.

 


 

_ تابع للرد على نظرية راسل:

2- إن ما ذكره إنمّا ينفع حالة توازن القوى، كما في مثال بقرة الجار الذي ذكره. ففي صورة تساوي القدرتين يكون ما ذكره مناسبًا. أما إذا كانت إحدى القوتين أقوى وأشد بأسًا من القوة المقابلة لها، فما ذكره لا يكون له أثر، لماذا؟ لأن الطرف الأقوى يدرك أن الطرف الآخر الضعيف لا يمكنه المساس بمصالحه حتى بعد مائة عام.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 212.

 


 

_ العلاقة بين القدرة والعفو:

ثالث الإيرادات، أن الهدف من الأخلاق هو منع تجاوز القوى وهو في ذروة قوته، يقول الإمام علي(عليه السلام): أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة. فمن يملك قدرًا أكبر عليه أن يوطن نفسه ويعودها أعظم ما يكون على العفو والصفح وكظم الغيظ. وإلا فالأخلاق القائمة على المنافع، لا تنفع إلا حالة تعادل القوى وتكافؤها.

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 212-213.

 


  

_ النتيجة:

إن النتيجة التي يمكنكم أخذها من الأخلاق يمكنكم أيضًا أخذها من التعليم، بمعنى أن تفهموا الناس بأن المنافع المشتركة توجب عليهم التعامل بالأخلاق. 
ونحن نقول: وهذا غير دقيق أيضًا لأن هذا الإفهام إنما ينفع الناس المتساوين في القدرة. ولا ينفع ذلك الإنسان الظالم. بل ذلك يغري الظالم ويجرئه على سحق حقوق الآخرين إذا تصادمت مع مصالحه. كما حصل في حرب«فيتنام» و«فلسطين».


فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 214.

 

 

_ هذا عمل أخلاقي أم لا؟

ما فعله نيكسون في الأولى، يكون في نظر راسل عملًا أخلاقيًا، لأنه يصب في مصلحة أمريكا. وكذلك ما تقوم به إسرائيل من إلقاء القنابل والقصف. لأنها ترعى بذلك مصلحتها. وإذا كان ذلك عملًا أخلاقيًا، فلماذا يا راسل، تندد بحرب فيتنام؟ وأنت الذي أجزتها وبررتها أخلاقيًا؟!!

فلسفة الأخلاق، الشهيد الشيخ مرتضى مطهري ص 214.

 

 

 

 

 


فقرة هل تعلم؟

_ فقرة الأخطاء الشّائعة:
 لا تقل:
" سوف لن يأتي".

بل قل: " لن يأتي".
لأنّ لا نفي بعد التّسويف

 

_ أن الشهيد الشيخ مرتضى مطهري هو من تلاميذ الإمام -قدّس سرّه- الذين رافقوه طيلة مراحل الثورة وكان من الشخصيات القليلة التي رافقته في الطائرة المتوجهة من باريس إلى طهران. وهو الذي قال بحقه الإمام الخميني -قده- بعد استشهاده: "لقد فقدت إبني العزيز الذي هو قطعة من جسدي"، كما أنه بكى عليه أكثر مما بكى على إبنه الشهيد مصطفى -رحمه الله-؟

 

_ أن الشهيد آية الله الشيخ مرتضى مطهّري كان عالمًا وفيلسوفًا إسلاميًا، وأحد الأعضاء المؤسسين في شورى الثورة الإسلامية في إيران إبان الأيام الأخيرة من سقوط نظام الشاه، وصاحب المؤلفات الكثيرة العقائدية والفلسفية الإسلامية، وأحد أبرز تلامذة المفسر والفيلسوف الإسلامي الكبير آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي -طاب ثراه-؟


_ أن الشهيد مطهري أعتقل في العام 1963 من قبل أجهزة أمن الشاه مع مجموعة من أساتذة وطلبة الحوزة بسبب تحركاتهم المناهضة لإعتقال الإمام الخميني -قدّس سرّه-، وبسبب إلقاءه خطابًا ضد الشاه، لكن تم أطلاق سراحه لاحقًا وفي العام 1969، تم اعتقاله مرة أخرى بسبب مشاركته في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني؟


 


 

 


 



اخترنا لكم:

 


 




 


 





 

 

برامج
153قراءة
2024-05-03 11:45:17

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا