12 سنة من العطاء

 

جديد المواضيع

خيمة الولاية >> الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

Facebook Twitter WhatsApp Pinterest Google+ Addthis

الكتاب: دروس تمهيدية في ولاية الفقيه

الدرس الثالث: حقّ الحاكميّة

 

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعدّد الوجوه والأنواع المختلفة للحاكمية.
2- يُبيّن الرؤية الإسلامية في من له حقّ الحاكميّة.
3- يعرّف دليل الحاكميّة الإلهيّة، ويستدلّ عليه.

 

تمهيد
إنّ مسألة الحكومة من الأمور التي يُسلّم بها العقل السليم، ويطلبها الإنسان لكونه مدنيّاً بطبعه، ولكن وقع الخلاف والاختلاف حول هذا الحقّ، حقّ الحاكميّة في المجتمع، لمن يكون هذا الحقّ؟ ومن أين ينشأ؟ لأنّنا مع ملاحظة كون جميع أفراد البشر ـ بالنسبة لهذا الأمر ـ هم على حدّ سواء، ولا ولاية لأحد على أحد آخر، نتساءل من أين ينشأ حقّ الحاكميّة لبعض الناس بنحوٍ ما؟

 

وجوه الحاكميّة
1- حقّ الحاكميّة للمتسلّط على الناس:

يرى بعض الناس أنّ هذا الحقّ هو لمن تسلّط على الناس. ويرون حقّ الحاكميّة من خلال الظلم والزور، وإذا أمكن لشخص أو لمجموعة أشخاص، ولو من خلال الأسباب والأساليب الباطلة من السيطرة على مقدّرات المجتمع فلهم الحاكميّة، ولهم حقّ التقنين، والأمر والنهي، والثواب والعقاب، وهذا الرأي هو ما تتبنّاه الحكومات الديكتاتوريّة الاستبداديّة.

2- حقّ الحاكميّة يختصّ بطبقة دون غيرها:
ويرى بعض آخر أنّ هذا الحقّ محصور بطبقة خاصّة وفئة معيّنة من الناس، وأنّ لهذه الطبقة حقّ التقنين وحقّ الحاكميّة. ويتبنّى هذه النظرة بعض فلاسفة اليونان الذين يقسّمون المجتمع إلى طبقات. فئة منهم تعتقد أنّ طبقة الأشراف هي وحدها التي لها حقّ الحكومة وإدارة المجتمع، وفئة أخرى منهم كانت تعتقد بأنّ العمّال هم الذين لهم حقّ الحاكميّة.

3- حقّ الحاكميّة عامّ لكلّ الناس:
ويرى بعض المفكّرين الغربيين مثل (روسو) وغيره أنّ هذا الحقّ ليس من حقّ شخص خاصّ بعينه، بل هو حقّ عامّة الأفراد أو أكثريّة الناس، ويرى هؤلاء أن حقّ الحاكميّة إنّما هو لكلِّ فرد من الناس، وأنّ الناس هم الذين يضفون المشروعيّة على القانون، وأنّ القانون الشرعي هو المبني على تصويت الناس عليه، والحكومة التي لها حقّ الحاكميّة هي التي تنتخبها الأكثريّة من الناس.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

حقّ الحاكميّة في الرؤية الإسلاميّة
وفي الرؤية الإسلاميّة ينحصر حقّ الحاكميّة بالله عزّ وجلّ, لأنّ الإنسان يجب عليه إطاعة من خلقه وأعطاه الوجود، وحيث إنّ الإنسان لا يأخذ وجوده من أبناء جنسه ولا يتوقّف بقاؤه عليهم، فلا إلزام من أحد على أحد. والله عزّ وجلّ المالك الحقيقي للإنسان هو الولي الواقعي، وعليه فاتّباع أوامر غير الله عزّ وجلّ مشروط بالتنصيب والتعيين من قبله تعالى، وهو القائل: قال تعالى: ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾1.

وإنّ من لوازم مملوكيّة الإنسان لله ومالكيّة الله عزّ وجلّ للإنسان أن يكون تدبير أمور المجتمع فقط بيده، والجميع ينبغي أن يكون مطيعاً لأمره، وخاضعاً له.

يقول الله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ﴾2.

 

 

الفیديو بجودة منخفضة  لإرساله عبر الواتساب:

 

 

أدلّة الحاكميّة الإلهيّة
بعد أن أوضحنا الرؤية الإسلاميّة في شأن الحكومة، وأنّها حقّ إلهي، نبحث الآن في الجذور الفكريّة التي تبتني عليها هذه الرؤية:

1- العلم الإلهيّ المطلق:
ذكرنا عند الحديث على ضرورة القانون للمجتمعات البشريّة أنّ الهدف والغاية من القانون هو تأمين حياة اجتماعيّة صالحة, ووصول الإنسان بشكل أفضل إلى كماله الماديّ والمعنويّ، وعليه نقول: إنّ القانون المطلوب هو القانون الذي يساعد جميع أفراد المجتمع على الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ، ويلاحظ في ذلك جميع الأبعاد الوجوديّة للإنسان, لأنّ أيّ قانون، إذا كان لصالح فئة معيّنة من الناس، وكان موجباً لحرمان سائر الناس من الوصول إلى الكمال الماديّ والمعنويّ - سواء أكانوا أقليّة أم أكثريّة- لن يكون مطلوباً، وعليه فخصوصيّة القانون المطلوب هي في تأمينه منافع ومصالح جميع الناس التي تعيش في المجتمع وبأفضل الوسائل.

إنّ الخصوصيّة الأخرى التي ينبغي توفّرها في القانون المطلوب، هي أن لا يقتصر دوره على تأمين المصالح الماديّة، بل في أن يكون عاملاً لتنمية البعد المعنوي للإنسان, لأنّ الرؤية الإسلاميّة للإنسان لا تقتصر على ملاحظة الوجود الماديّ للإنسان، بل ترى في الوجود الروحي أصالة, وأنّ المادة وسيلة لتكامل الروح.

فلا بدَّ للقانون الاجتماعي المدوَّن من أن يضمن المصالح المعنويّة للإنسان، ولا أقلّ من عدم التنافي بين القانون وبين التكامل المعنويّ والروحيّ للإنسان، وهذا يدلّنا على أن المقنِّن لا بدّ وأن يكون محيطاً وعالماً بجميع المصالح الفرديّة والاجتماعيّة، الجسميّة والروحيّة، الماديّة والمعنويّة للإنسان، حتى يتمكّن من وضع قانون يشتمل على جميع أبعاد الإنسان، وهذه الخصوصيّة لا تتوفّر إلا في الله عزّ وجلّ, فلذا كان أمر وضع القانون بيده تعالى:
قال تعالى: ﴿قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾3.

فالله عزّ وجلّ هو الذي يعرف الحقّ، وهو المحيط بجميع المصالح والمفاسد، وهو الذي له الولاية على عباده، وينبغي عليهم طاعته.

2- الله هو الغنيّ المطلق:
الخصوصيّة الأخرى التي لا بدّ من توفّرها في المشرّع والمقنّن هي أن يكون بعيداً عن الذاتيّة والأنا حتى يضع قانوناً مطابقاً للحقّ والعدالة. وتوضيح هذا الأمر: إنّ مجرّد العلم بالمصالح والمفاسد لا يكفي لوضع القانون، فإنّ من الممكن أن يكون المقنّن مطلعاً على المصالح والمفاسد، ولكنّه في عمليّة التقنين يلحظ المنافع الشخصيّة أو العائليّة أو الفئويّة، فيضع قانوناً يؤمِّن منافعه الذاتيّة. إنّ الإنسان يتأثّر دائماً بالميول والرغبات الشخصيّة - سواء بإرادة منه أو قهراً - لأنّه غير معصوم عن الخطأ والزلل. أمّا الله عزّ وجلّ فهو مضافاً إلى إحاطته التامّة بالمصالح والمفاسد، لا يضرّه أيّ عمل كما لا يعود بالنفع عليه أيّ عمل, لأنّه غنيٌّ مطلق ومبرّأ من المصالح الشخصيّة والفئويّة، قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾4.

﴿وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾5.

وعليه، فلا نفع ولا ضرر يصل إليه عزّ وجلّ, بل ما يضعه من قوانين وتشريعات إنّما يضعها مراعاة للحقّ والعدالة، ورحمة بالخلق والعباد.

3- الربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة هي لله عزّ وجلّ:
من الأمور الأخرى التي تثبت حقّ الحاكميّة لله عزّ وجلّ ولزوم الطاعة له هو الاعتقاد بالتوحيد في الربوبيّة, لأنّ من مراتب التوحيد هو الاعتقاد بأن الله هو الربّ والمدبّر الوحيد لهذا الوجود, أي إنّ الله عزّ وجلّ بيده أمر تدبير هذا الكون، ومن جملته الإنسان، وهو مضافاً إلى خلقه للإنسان، فإنّ إيصال الإنسان إلى كماله المطلوب أمره محصور بيد الله تعالى، فلا بدّ للموحِّد مضافاً إلى اعتقاده بالتوحيد في الخلق, أي (التوحيد في الخالقية)، من الاعتقاد بـ (التوحيد في الربوبية) على المستويين الشرعي والتكويني, أي لا بدّ من الطاعة له والتسليم لأحكام الله الشرعية والتكوينية ومعرفة أنّه هو الذي له حقّ الأمر والنهي أو من نصّبه من قبله لذلك، ولا حقّ لأحد في الأمر والنهي مستقلّاً عن 
 
إرادته، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾6.

وقال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾7.

فحيث إنّ الله تعالى هو "ربّ العالمين" وبيده روح الإنسان وجسمه, فلا بدَّ أن يكون الإنسان كسائر المخلوقات مطيعاً له، وألا يرى لغيره تعالى حقّ الحاكميّة والحكومة عليه.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة آل عمران، الآية 189.
2- سورة يوسف، الآية 40.
3- سورة يونس، الآية 35.
4- سورة لقمان، الآية 26.
5- سورة إبراهيم، الآية 8.
6- سورة الأنعام، الآية 164.
7- سورة غافر، الآية 66.
 

برامج
1493قراءة
2021-01-24 21:49:51

تعليقات الزوار


إعلانات

 

 

12 سنة من العطاء

إستبيان

تواصل معنا